بسم الله والحمد لله..
يقول ابن كثير رحمة الله عليه: قال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118]، أي: قد لاح على صَفَحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم من العداوة، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله، ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل، ولهذا قال تعالى بعدها: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118]، وقال القرطبي: قوله تعالى: {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} إخبار وإعلام بأنهم يبطنون من البغضاء أكثر مما يظهرون بأفواههم.
فإن كتاب الله تعالى فيه خبر ما قبلنا ونبأ ما بعدنا هو الجد ليس بالهزل، من أنزله من نفسه هذه المنزلة نفعه الله بما فيه، وسعد به في الدنيا والآخرة، وعرف صديقه من عدوه، وتمكن من إفساد مخططات الأعداء بمجرد متابعته حتى ولو لم يعلم بهذه المخططات.
وفي هذه الأيام تظهر لنا آيات الله في خلقه من خلال متابعتنا لشبكات التواصل الإجتماعي الجديدة والتي أنشأت لإبداء الآراء والخواطر، فإذ بنا نفجع كل يوم بكتابات أسوأ مما يكتب في الصحف بل وصل بعضها لحد الردة عن دين الإسلام، وما تخفي صدورهم أكبر.
وفي رأيي أن هذه التطاولات على الله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وسلم لن تتوقف ألبتة إلا بإقامة شرع الله في كل من تطاول أياً كان من البشر، وإلا نحن موعودون بغضب من الله وذلة وما ذلك على الله بيسير، ولسنا بأعزِّ من أمم قد خلت هانوا الله فأهانهم وجعلهم عبرة وذكرى للذاكرين.
وقد خلّد التاريخ نصرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينه الله لما إمتنع قوم من أداء الزكاة فسيّر لهم جيشاً لينزلهم على ما أمر الله ورسوله فقال قولته الشهيرة: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة من حق الله، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم على منعه، قال عمر: فلما رأيت أن الله شرح صدر أبى بكر للقتال، عرفت أن الحق معه.
* أيها الكرام: إقامة شرع الله في أحد المتطاولين على جناب الله عز وجل وجناب رسوله الكريم كفيل بردع العشرات من المنافقين بل المئات منهم، وكلنا يذكر عندما تخاذل بعضنا عن نصرة رسولنا أيام تطاول الدنماركيين تجرأ غيرهم، وإن كنا نؤمن بأن الله له حكم عظيمة من وراء تلك الفتن ومنها: {لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال:37] ومنها: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2] {وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:111].
وإننا كأمة مدعوون بكل قوة إلى الثبات على ديننا والمحافظة عليه والرد على الطاعنين فيه، وتأديبهم التأديب اللائق الموجع الذي يعلمون به أن الطعن في الإسلام ليس مجرد نزهة فكرية، بل ينبغي على ولاة أمرنا وعلمائنا تطبيق شرع الله الحكيم في كل من يثبت عليه التطاول والطعن في الدين أياً كان وعلى وجه السرعة، وهذا من أسباب التمكين في الأرض وإستمرار الدول المسلمة، قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41].
الكاتب: إبراهيم توفيق البخاري.
المصدر: موقع المحتسب.